أثمرت الدورة الأولى من فعاليات قمة اللغة العربية التي نظمتها وزارة الثقافة والشباب، تحت رعاية من سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، بالتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية تحت شعار (اللغة وصناعة الهوية) عن توصيات فاعلة لإثراء جهود دعم اللغة العربية، ولتشكل مع مخرجات الخلوة الثقافية تجسيداً لتوجيهات القيادة الحكيمة، في تعزيز مكانة اللغة العربية واستشراف مستقبلها.
وفي تصريح لها قالت معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب:" ناقشت القمة على مدار يومين وبحضور نخبة من الخبراء والمتخصصين والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم أبرز القضايا والموضوعات الرئيسية التي تخدم الارتقاء باللغة العربية، وتعزّز مكانتها باعتبارها لغة علم ومعرفة وحوار حضاري وإنساني مع مختلف الشعوب والحضارات، ما يحقّق رؤية القيادة في دعم الجهود الرامية إلى الحفاظ على اللغة العربية وترسيخ مكانتها باعتبارها ركيزة أساسية للهوية العربية".
وتابعت معاليها:" خرجنا هذا العام بجملة من التوصيات التي أردنا لها أن تكون منطلقاً للعمل باتجاه ثبات مكانة اللغة العربية وتعزيز استخدامها والاستفادة من المحتوى الفريد الذي تطرحه في مختلف تفاصيل الحياة، وفي الوقت ذاته تساهم التوصيات بتوجيه المؤسسات الإعلامية، والإنتاجية، وصنّاع المحتوى، والمكتبيين، والعاملين في مجال الكتابة الإبداعية للتركيز على إنتاج مشاريع جديدة تخدم الأجيال وتسهم في ترسيخ لغتهم وثقافتهم العربية بشكل أكبر مستفيدين من المظاهر التقنية المتطورة، من خلال تعزيز أنماط التعلّم وتوسيع مدارك النشء والشباب بضرورة الاهتمام بلغتهم العربية واتخاذها منطلقاً أصيلاً للحوار مع أقرانهم حول العالم".
ولفتت معاليها إلى أن الخلوة الثقافية التي عقدت خلال القمة تأتي في سياق الجهود المتكاملة مع الشركاء في سبيل إتاحة المزيد من الفرص لمناقشة أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية والخروج بحلول ناجحة تسهم في ترسيخ مكانتها وحضورها وتعكس اهتمام الدولة ومؤسساتها بدعم كلّ ما يسهم في تطويرها باعتبارها وعاء الفكر، والمنطلق الرئيس للهوية المجتمعية.
من جهته قال سعادة الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية: "إن قمة اللغة العربية بما ناقشته من موضوعات محورية ومن خلال الحضور الثقافي المميز ستسهم في تعزيز مكانة اللغة العربية والوصول بها إلى عوالم جديدة تواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة، وتصل الثقافة العربية بالثقافات العالمية عبر جسور مشتركة من الإبداع اللغوي والحضاري".
وأضاف سعادته: "كما يأتي تنظيم الخلوة الثقافية ضمن الجهود المستمرة لمركز أبوظبي للغة العربية لرصد حالة اللغة العربية على المستويين المحلي والعربي من خلال تنظيم العديد من الفعاليات المتخصصة والخلوات، التي تهدف إلى معرفة أبرز التحديات التي تواجه مسيرة تعزيزها بين لغات العالم، لوضع الحلول الناجعة لها والخروج بأفكار وآليات عمل تُرسخ مكانتها في جميع جوانب حياة الناس، وتربطها بشكل أكثر عمقاً مع القطاعات الحيوية، بما يواكب رؤية واستراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة لصناعة مستقبل أفضل للغة العربية".
وثمن سعادته جهود المختصين المشاركين في القمة والخلوة، والذين أسهموا من خلال معارفهم العميقة وخبراتهم الواسعة في فتح آفاق الحوار والنقاش البناء، الذي يدعم مسارات تطوير اللغة العربية ويُمكن قطاع الشباب من إتقان لغتهم، ويُترجم في الوقت ذاته أهداف وتطلعات مركز أبوظبي للغة العربية.
ابتكار أنماط مستقبلية غير تقليدية
وقد خرجت قمة اللغة العربية في دورتها الأولى لعام 2023 بتوصيات تؤكد على ضرورة تكريس استخدام جماليات اللغة العربية وروائعها الخالدة في الشعر والنثر، والتركيز على اللهجات أيضا لما فيها من قيم لغوية وجمالية وروحية، وتدعو إلى تفعيل دور المؤسسات الإنتاجية في صناعة المحتوى المتخصص بالطفولة المبكرة ورياض الأطفال باللغة العربية، وتفعيل دور المؤسسات الإعلامية في ترسيخ العربية في حيز المجتمع والهوية، إلى جانب أهمية التخطيط لإثراء المحتوى والإنتاج التلفزيوني والدرامي العربي مع كل ما يرتبط بذلك من ورش كتابة وتدريب ومحتوى جاد وميزانيات تخلق أبطالا محبوبين عربيا وعالميا، كما دعت القمة في توصياتها إلى ضرورة كتابة التاريخ الإنساني المشترك منطلقا لوعي عربي ثقافي عام، وتنمية مهارات التواصل والتعبير لدى الشباب والنشء بلغتهم الأم وتعزيز استخدامات الذكاء الاصطناعي في تعليم النحو والصرف وتوسيع مدارك الناشئة في اللغة العربية واللهجات العربية السائدة، وتحفيز الحوار بين اللغات والأنماط العالمية في الخطوط والفنون، وضرورة تنظيم المعارض للحروفية العربية حول العالم لتعريفه بجماليات العربية والخط العربي.
كما أكّدت التوصيات على أهمية إطلاق البحوث العلمية والمعرفية لتقريب اللهجات العامية من الفصحى، وتحفيز الدراسات في هوية اللغة وطبيعتها، وضرورة إطلاق أعمال بحثية حول حضور الأدب العربي وأثره في الآداب واللغات العالمية، وتحفيز التنشئة اللغوية والموسيقية الأصيلة للأجيال الجديدة منذ الطفولة المبكرة، إلى جانب نشر والتعريف بروائع التراث الشعري والثقافي العربي من خلال الأعمال الموسيقية والغنائية.
خلوة ثقافية لتعزيز مكانة العربية في المجالات الحيوية
وجرى خلال القمّة تنظيم خلوة ثقافية برعاية وحضور الشيخة اليازية بنت نهيان آل نهيان، سفيرة الألكسو للثقافة العربية، ناقشت مجموعة من أبرز الموضوعات المعنية بتعزيز حضور اللغة العربية، وسُبل وضع آليات ورؤى مبتكرة لتحسين مكانتها في مختلف المجالات.
وتضمنت الخلوة عقد سلسلة من الجلسات المتخصصة التي سلطت الضوء بشكل موسع على مجموعة من المحاور الرئيسة، من خلال مناقشتها لموضوعات "اللغة وعوالم الإبداع"، و"مجامع اللغة العربية، رؤية مستقبلية"، وبحثها في الآفاق المستقبلية للغة العربية، وتنظيم جلسات طرحت موضوعات "اللغة العربية والآداب"، و"اللغة العربية ومناهج التعليم"، و"اللغة العربية والشباب".
تأصيل وتعزيز استخدام اللغة العربية
وخرجت الخلوة بمجموعة من التوصيات التي أكدت أهمية دعم مراكز اللغة العربية ومجامعها، والاستمرار في تحقيق المخطوطات العربية، ومواصلة إصدار المعاجم الحديثة ورقمنتها، وتشجيع الدراسات والبحوث وتطويرها، ودعم حركة الترجمة والتعريب، كما أوصت بتفعيل دور وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة في تعزيز حضور وإثراء اللغة العربية وانتشارها، وتأسيس بنية تحتية قادرة على تعريب المصطلحات العلمية، وصولًا إلى التعريب الكلي للمناهج.
وتضمنت التوصيات تشجيع البحث في علاقة الموسيقى والمقامات العربية باللغة وتعبيرها عن الهوية، ودعم الهوية العربية في التشكيل عبر الرموز والحروفية وموروث الزخرفة والعمارة، كما أوصى المشاركون بتعزيز دور مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي في تأصيل وتعزيز استخدام اللغة العربية بين الأطفال والشباب، ووجّهوا الدعوة لحث المؤسسات والجهات على سن التشريعات والسياسات لاستخدام اللغة العربية في المخاطبات الداخلية والخارجية وفي الاجتماعات.